فصل: بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي تَمْتِيعِ النِّسَاءِ الْمُطَلَّقَاتِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بيان مشكل الآثار **


بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي فِي الْبَيْتِ الْحَرَامِ‏,‏ وَفِي الْغَيْبَةِ عَنْهُ

حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ كَثِيرِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ سَمِعَ الْمُطَّلِبَ يَقُولُ رَأَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِمَّا يَلِي بَابَ بَنِي سَهْمٍ‏,‏ وَالنَّاسُ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْهِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شَيْءٌ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد بْنِ مُوسَى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْت ابْنَ جُرَيْجٍ يُحَدِّثُ عَنْ كَثِيرِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ فَذَكَرَ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّوَافِ سُتْرَةٌ قَالَ سُفْيَانُ فَحَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ كَثِيرٍ بَعْدَ مَا سَمِعْته مِنْ ابْنِ جُرَيْجٍ،قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَهْلِي وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ نَا ابْنُ عَمِّ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ عَنْ كَثِيرِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إطْلاَقُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِلطَّائِفِينَ بِالْبَيْتِ الْمُرُورَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَ قَائِلٌ فَكَيْفَ تَقْبَلُونَ هَذَا‏,‏ وَأَنْتُمْ تَرْوُونَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم‏؟‏ فَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ نَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلاَ يَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلْيَدْرَأْهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ نَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه مِثْلَهُ‏.‏

وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو ظَفَرٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ‏.‏

وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى سُتْرَةٍ فَلْيَدْنُ مِنْهَا لاَ يَقْطَعَ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ صَلاَتَهُ‏.‏

وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُد، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ أَبِي يَزِيدَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ ‏(‏ح‏)‏ وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ‏,‏ ثُمَّ اجْتَمَعَا‏,‏ فَقَالاَ‏:‏ عَنْ عِيسَى بْنِ مُوسَى بْنِ لَبِيدِ بْنِ إيَاسٍ‏,‏ قَالَ يُوسُفُ فِي حَدِيثِهِ‏:‏ ابْنُ الْبُكَيْرِ‏,‏ ثُمَّ اجْتَمَعَا فَقَالاَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ قَالَ هَذَا الْقَائِلُ فَفِي هَذَا مَنْعُهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي وَمِنْ إطْلاَقِ الْمُصَلِّي لِغَيْرِهِ الْمُرُورَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهَذَا ضِدُّ مَا رَوَيْتُمُوهُ عَنْ الْمُطَّلِبِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ هَذَا مِمَّا لاَ تَضَادَّ فِيهِ لأَنَّ مَا رَوَيْنَاهُ عَنْ الْمُطَّلِبِ مِمَّا ذُكِرَ عَلَى حُكْمِ الصَّلاَةِ إلَى الْكَعْبَةِ بِمُعَايَنَتِهَا‏,‏ وَالآثَارُ الآُخَرُ عَلَى الصَّلاَةِ بِتَحَرِّي الْكَعْبَةِ وَبِالْغَيْبَةِ عَنْهَا‏,‏ وَقَدْ وَجَدْنَا الصَّلاَةَ إلَى الْكَعْبَةِ بِالْمُعَايَنَةِ لَهَا يُصَلِّي النَّاسُ مِنْ جَوَانِبِهَا فَيَسْتَقْبِلُ بَعْضُهُمْ وُجُوهَ بَعْضٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ طَلْقًا لَهُمْ غَيْرَ مَكْرُوهٍ وَرَأَيْنَا الصَّلاَةَ بِخِلاَفِ ذَلِكَ الْمَكَانِ مِمَّا لاَ مُعَايَنَةَ فِيهِ لِلْكَعْبَةِ بِخِلاَفِ ذَلِكَ فِي كَرَاهَةِ اسْتِقْبَالِ وُجُوهِ الرِّجَالِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا‏,‏ وَفِي الزَّجْرِ عَنْ ذَلِكَ‏,‏ وَالْمَنْعِ مِنْهُ فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ الْكَعْبَةَ مَخْصُوصَةٌ بِهَذَا الْحُكْمِ فِي الصَّلاَةِ إلَيْهَا‏,‏ وَفِي الإِطْلاَقِ لِلنَّاسِ اسْتِقْبَالَ وُجُوهِ الْمُصَلِّينَ مَعَهُمْ إلَيْهَا‏,‏ وَالاِسْتِقْبَالَ لِحُدُودِهِمْ فِي صَلاَتِهِمْ إلَيْهَا‏,‏ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي صَلاَتِهِمْ إلَيْهَا اتَّسَعَ لَهُمْ بِذَلِكَ مُرُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فِي صَلاَتِهِمْ إلَيْهَا وَاسْتِقْبَالِهِمْ إيَّاهُمْ فِي ذَلِكَ بِوُجُوهِهِمْ وَبِحُدُودِهِمْ وَعَقَلْنَا أَنَّ الصَّلاَةَ فِي الْغَيْبَةِ عَنْهَا بِخِلاَفِ ذَلِكَ‏,‏ وَأَنَّهُ لَمَّا كَانَ اسْتِقْبَالُ النَّاسِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا بِوُجُوهِهِمْ وَبِحُدُودِهِمْ فِيهَا مَمْنُوعًا مِنْهُ ضَاقَ عَلَيْهِمْ مُرُورُهُمْ بِهِمْ فِيهَا وَضَاقَ عَلَى الْمُصَلِّينَ إطْلاَقُ ذَلِكَ لَهُمْ فِيهَا فَبَانَ بِحَمْدِ اللهِ وَنِعْمَتِهِ أَنْ لاَ تَضَادَّ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ‏,‏ وَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا فِيهِ بَائِنٌ بِحُكْمِهِ عَنْ الْمَعْنَى الآخَرِ مِنْهُمَا وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْهِجْرَةِ وَهَلْ قَطَعَهَا فَتْحُ مَكَّةَ أَمْ لَمْ يَقْطَعْهَا

حَدَّثَنَا بَكَّارَ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ الْفَتْحِ لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَإِذَا اُسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْقَوَارِيرِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ‏.‏

وَحَدَّثَنَا فَهْدٌ قَالَ حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ حَدَّثَنِي عَاصِمٌ الأَحْوَلُ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُجَاشِعٌ قَالَ أَتَيْت رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الْفَتْحِ بِأَخِي ‏[‏ أَبِي ‏]‏ مَعْبَدٍ لِيُبَايِعَهُ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللهِ جِئْتُ بِأَخِي ‏[‏ أَبِي ‏]‏ مَعْبَدٍ لِتُبَايِعَهُ عَلَى الْهِجْرَةِ فَقَالَ ذَهَبَ أَهْلُ الْهِجْرَةِ بِمَا فِيهَا فَقُلْت فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُبَايِعُهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ عَلَى الإِيمَانِ أَوْ عَلَى الإِسْلاَمِ وَالْجِهَادِ قَالَ فَلَقِيت ‏[‏ أَبَا ‏]‏ مَعْبَدٍ بَعْدُ وَكَانَ أَكْبَرَهُمَا فَسَأَلْته فَقَالَ صَدَقَ مُجَاشِعٌ‏.‏

وَحَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ وَهُوَ النَّحْوِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ مُجَاشِعِ بْنِ مَسْعُودٍ الْبَهْزِيِّ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِابْنِ أَخِيهِ لِيُبَايِعَهُ عَلَى الْهِجْرَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ لاَ بَلْ يُبَايِعُ عَلَى الإِسْلاَمِ فَإِنَّهُ لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ‏,‏ وَيَكُونُ مِنْ التَّابِعِينَ بِإِحْسَانٍ‏.‏

وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْوَهْبِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ‏.‏

وَ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ هِلاَلٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَوْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَفْوَانَ قَالَ لَمَّا كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ جَاءَ بِأَبِيهِ، فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللهِ اجْعَلْ لأَبِي نَصِيبًا مِنْ الْهِجْرَةِ فَقَالَ لاَ هِجْرَةَ الْيَوْمَ فَدَخَلَ عَلَى الْعَبَّاسِ فَخَرَجَ الْعَبَّاسُ فِي قَمِيصٍ لَيْسَ عَلَيْهِ رِدَاءٌ‏,‏ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَسَلَّمَ‏,‏ قَدْ عَرَفْت فُلاَنًا وَاَلَّذِي كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَأَنَّهُ جَاءَ بِأَبِيهِ فَمَا يَمْنَعُهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ هِجْرَةَ فَقَالَ الْعَبَّاسُ أَقْسَمْت يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ فَمَدَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ وَمَسَحَ عَلَيْهِ وَأَدْخَلَ يَدَهُ‏,‏ وَقَالَ‏:‏ أَبْرَرْت عَمِّي وَلاَ هِجْرَةَ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ عَنْ أُمِّ يَحْيَى ابْنَةِ يَعْلَى عَنْ أَبِيهَا قَالَ جِئْت بِأَبِي يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا أَبِي يُبَايِعُك عَلَى الْهِجْرَةِ قَالَ لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ يَعْلَى بْنِ مُنْيَةَ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ يَعْلَى قَالَ جِئْت رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَبِي أُمَيَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللهِ بَايِعْ أَبِي عَلَى الْهِجْرَةِ‏,‏ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَلْ أُبَايِعُهُ عَلَى الْجِهَادِ فَقَدْ انْقَطَعَتْ الْهِجْرَةُ‏.‏

وَ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ هِلاَلٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ مُجَاشِعِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هَذَا مُجَالِدُ بْنُ مَسْعُودٍ فَبَايِعْهُ عَلَى الْهِجْرَةِ قَالَ لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ وَلَكِنْ أُبَايِعُهُ عَلَى الإِسْلاَمِ‏.‏

وَحَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ لَمَّا فَتَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَفِي هَذِهِ الآثَارِ إخْبَارُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْهِجْرَةَ قَدْ انْقَطَعَتْ بِفَتْحِ مَكَّةَ وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها مِنْ قَوْلِهِمَا وَذِكْرِهِمَا السَّبَبَ الَّذِي بِهِ انْقَطَعَتْ الْهِجْرَةُ بِفَتْحِ مَكَّةَ وَالسَّبَبَ الَّذِي كَانَ يَكُونُ بِهِ الْهِجْرَةُ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ‏.‏

وَكَمَا قَدْ حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الضَّحَّاكِ الْبَابْلُتِّيُّ قَالَ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدَةُ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ انْقَطَعَتْ الْهِجْرَةُ بَعْدَ الْفَتْحِ‏.‏

وَكَمَا حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو الأَزْدِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ دَخَلْت أَنَا وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَ لَهَا‏:‏ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ هَلْ مِنْ هِجْرَةٍ الْيَوْمَ‏؟‏ قَالَتْ‏:‏ لاَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ إنَّمَا كَانَتْ الْهِجْرَةُ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ يَفِرُّ الرَّجُلُ بِدِينِهِ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ بِالْمَعْنَى الَّذِي بِهِ كَانَتْ تَكُونُ الْهِجْرَةُ وَأَنَّهُ قَدْ انْقَطَعَ بِفَتْحِ مَكَّةَ‏.‏

وَدَلَّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا مَا قَدْ رَوَيْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ لِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ إلَى الْمَدِينَةِ حِينَ قِيلَ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ إنَّهُ لاَ دِينَ لِمَنْ لَمْ يُهَاجِرْ وَمِنْ إطْلاَقِهِ لَهُ الرُّجُوعَ إلَى مَكَّةَ لأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْحُكْمُ حِينَئِذٍ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى لَمَا أَطْلَقَ لَهُ الرُّجُوعَ إلَى الدَّارِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا كَمَا لَمْ يُطْلِقْ ذَلِكَ لِلْمُهَاجِرِينَ إلَيْهِ إلَى الْمَدِينَةِ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ حَتَّى جَعَلَ لَهُمْ إذَا قَدِمُوهَا لِحَجِّهِمْ إقَامَةَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الصَّدْرِ لاَ زِيَادَةَ عَلَيْهَا‏.‏

كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ،قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ قَالَ سَمِعْت عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَسْأَلُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ مَا سَمِعْت فِي سُكْنَى مَكَّةَ لِلْمُهَاجِرِ‏؟‏ فَقَالَ قَالَ الْعَلاَءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاَثٌ بَعْدَ الصَّدْرِ لِلْمُهَاجِرِ‏.‏

وَكَمَا حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ هِلاَلٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَحَتَّى كَانَ الْمُهَاجِرُونَ يُشْفِقُونَ مِنْ إدْرَاكِ الْمَوْتِ إيَّاهُمْ بِهَا وَيُعَظِّمُونَ ذَلِكَ وَيَخْشَوْنَهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ‏.‏

كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ مَرِضْت عَامَ الْفَتْحِ مَرَضًا أَشْفَيْتُ مِنْهُ عَلَى الْمَوْتِ فَأَتَانِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَعُودُنِي فَقُلْت يَا رَسُولَ اللهِ أُخَلَّفُ عَنْ هِجْرَتِي‏؟‏ قَالَ‏:‏ إنَّك لَنْ تُخَلَّفَ بَعْدِي فَتَعْمَلَ عَمَلاً تَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ ازْدَدْت بِهِ رِفْعَةً وَدَرَجَةً وَلَعَلَّك أَنْ تُخَلَّفَ بَعْدِي حَتَّى يَنْتَفِعَ بِك أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِك آخَرُونَ اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ وَلاَ تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ لَكِنْ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ‏.‏

وَكَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ ‏(‏ح‏)‏ وَكَمَا حَدَّثَنَا الْمُزَنِيّ قَالَ حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ جَاءَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ‏.‏

أَفَلاَ تَرَى إلَى مَنْعِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ الْمُهَاجِرِينَ إلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ إلَى الْمَدِينَةِ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى مَكَّةَ إنْ كَانُوا قَدْ هَاجَرُوا مِنْهَا وَتَرَكُوهَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إلَى مَدِينَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَغْبَةً فِيهَا وَمِنْ الْمُقَامِ بِهَا إِلاَّ مَا لاَ يَجِدُونَ مِنْهُ بُدًّا فِي حَجِّهِمْ إلَيْهَا مِنْ الْمُقَامِ بِهَا لِيَتَأَهَّبُوا لِخُرُوجِهِمْ مِنْهَا وَرُجُوعِهِمْ إلَى دَارِ هِجْرَتِهِمْ وَمِنْ إطْلاَقِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ لِمَنْ سِوَاهُمْ مِمَّنْ كَانَ إسْلاَمُهُ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ فَلاَ دَلِيلَ أَدَلَّ عَلَى انْقِطَاعِ الْهِجْرَةِ بِفَتْحِ مَكَّةَ بَعْدَ مَا رَوَيْنَاهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ هَذَا‏.‏

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ثَلاَثَةٍ مِنْ الأَنْصَارِ فِي هَذَا الْبَابِ وَهُمْ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِتُؤَكِّدُ هَذَا الْمَعْنَى يَقُولُونَ كَانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِ بَعْدَ إنْزَالِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ {إذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} وَبَعْدَ قِرَاءَتِهِ إيَّاهَا عَلَى النَّاسِ‏.‏

كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا بَكَّارَ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ قَالَ سَمِعْت أَبَا الْبَخْتَرِيِّ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ {إذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} قَرَأَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى خَتَمَهَا ثُمَّ قَالَ أَنَا وَأَصْحَابِي حَيِّزٌ وَالنَّاسُ حَيِّزٌ لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَحَدَّثْت بِذَلِكَ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَكَانَ عَلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ كَذَبْت وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ وَهُمَا مَعَهُ عَلَى السَّرِيرِ فَقُلْت أَمَّا إنَّ هَذَيْنِ لَوْ شَاءَا حَدَّثَاكَ وَلَكِنَّ هَذَا يَعْنِي زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ يَخَافُ أَنْ تَعْزِلَهُ عَنْ الصَّدَقَةِ وَهَذَا يَخَافُ أَنْ تَعْزِلَهُ عَنْ عِرَافَةِ قَوْمِهِ يَعْنِي رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ وَهُمَا مَعَهُ‏,‏ قَالَ فَشَدَّ ذَلِكَ عَلَيَّ بِدِرَّتِهِ فَلَمَّا رَأَيَا ذَلِكَ قَالاَ صَدَقَ‏.‏

فَقَالَ قَائِلٌ أَفَيُخَالِفُ هَذَا مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ أَنَّ جُنَادَةَ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ حَدَّثَهُ أَنَّ رَجُلاً حَدَّثَهُ أَنَّ رِجَالاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّ الْهِجْرَةَ قَدْ انْقَطَعَتْ وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَانْطَلَقْت إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْت يَا رَسُولَ اللهِ إنَّ نَاسًا يَقُولُونَ‏:‏ إنَّ الْهِجْرَةَ قَدْ انْقَطَعَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لاَ تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا كَانَ الْجِهَادُ‏.‏

وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنِ ابْنِ زِبْرٍ عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيِّ عَنْ حَسَّانَ بْنِ الضَّمْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ السَّعْدِيِّ قَالَ وَفَدْت إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي نَفَرٍ مِنْ بَنِي سَعْدٍ‏,‏ فَأَتَوْا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَضَوْا حَوَائِجَهُمْ‏,‏ وَخَلَّفُونِي فِي رِحَالِهِمْ‏,‏ فَأَتَيْت رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم‏,‏ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللهِ أَخْبِرْنِي عَنْ حَاجَتِي‏,‏ فَقَالَ وَمَا حَاجَتُك‏؟‏ فَقُلْت انْقَطَعَتْ الْهِجْرَةُ‏؟‏ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْتَ خَيْرُهُمْ حَاجَةً أَوْ قَالَ حَاجَتُك خَيْرُ حَاجَتِهِمْ لاَ تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا قُوتِلَ الْكُفَّارُ‏.‏

وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْهَرَوِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا دُحَيْمٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ زِبْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ بُسْرَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ وَقْدَانَ الْقُرَشِيِّ وَكَانَ مُسْتَرْضَعًا فِي بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ قَالَ وَفَدْت فِي نَفَرٍ مِنْ بَنِي سَعْدٍ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ‏.‏

وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا دُحَيْمٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ السَّعْدِيِّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ‏.‏

فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَعَوْنِهِ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُخَالِفٍ لِشَيْءٍ مِمَّا قَدْ تَقَدَّمَتْ رِوَايَتُنَا إيَّاهُ فِي هَذَا الْبَابِ لأَنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِذَلِكَ الْكُفَّارَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ الَّذِينَ كَانُوا يُقَاتِلُونَ عَلَى فَتْحِ مَكَّةَ حَتَّى فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ عَلَيْهِمْ‏.‏

قَالَ أَفَيُخَالِفُ هَذَا‏.‏

فَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا الْهَرَوِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا دُحَيْمٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَرِيزُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَوْفٍ الْجُرَشِيِّ عَنْ أَبِي هِنْدٍ الْبَجَلِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يَقُولُ سَمِعْت رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لاَ تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ وَلاَ تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا قَالَ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ‏.‏

فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَعَوْنِهِ أَنَّ هَذِهِ الْهِجْرَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَتْ الْهِجْرَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الأَحَادِيثِ الآُوَلِ إنَّمَا هِيَ هِجْرَةُ السُّوءِ لاَ الْهِجْرَةُ الآُخْرَى الْمَذْكُورَةُ فِي الآثَارِ الآُوَلِ أَلاَ تَرَاهُ يَقُولُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ أَيْ إنَّهَا الْهِجْرَةُ الَّتِي يُهْجَرُ بِهَا مَا كَانَ قَبْلَهَا مَا قَطَعَتْهُ التَّوْبَةُ وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ مَا قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا فِيهِ تَفْرِقَةٌ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْهِجْرَتَيْنِ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ عَمْرٍو الدِّمَشْقِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ضَمْضَمُ بْنُ زُرْعَةَ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ يَخَامِرَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ إنَّ الْهِجْرَةَ خَصْلَتَانِ‏.‏

إحْدَاهُمَا أَنْ يَهْجُرَ السَّيِّئَاتِ وَأَنْ يُهَاجِرَ إلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَلاَ تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا تُقُبِّلَتْ التَّوْبَةُ وَلاَ تَزَالُ مَقْبُولَةً حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَإِذَا طَلَعَتْ طُبِعَ عَلَى كُلِّ قَلْبٍ بِمَا فِيهِ وَكُفِيَ النَّاسُ الْعَمَلَ‏.‏

وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ أَيْضًا مَا قَدْ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسَدٌ قَالَ ثنا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَنْظَلَةَ غَسِيلِ الْمَلاَئِكَةِ قَالَ حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ أَبِي أُسَيْدَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ أَتَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَهُوَ يُبَايِعُ النَّاسَ عَلَى الْهِجْرَةِ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللهِ أَلاَ تُبَايِعُ هَذَا‏؟‏ قَالَ‏,‏ وَمَنْ هَذَا‏؟‏ قُلْت ابْنُ عَمِّي حَوْطُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ لاَ إنَّكُمْ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ لاَ تُهَاجِرُونَ إلَى أَحَدٍ وَلَكِنَّ النَّاسَ يُهَاجِرُونَ إلَيْكُمْ‏.‏

وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ الْغَسِيلِ‏,‏ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ زِيَادٍ‏,‏ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ابْنُ عَمِّي‏,‏ وَلَمْ يُسَمِّهِ‏,‏ وَزَادَ‏:‏ ‏"‏ وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ‏,‏ لاَ يُحِبُّ الأَنْصَارَ رَجُلٌ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ‏,‏ إِلاَّ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ يُحِبُّهُ‏,‏ وَلاَ يُبْغِضُ الأَنْصَارَ رَجُلٌ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ‏,‏ إِلاَّ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ يُبْغِضُهُ ‏"‏ وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحِمَّانِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنُ الْغَسِيلِ قَالَ حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ أَبِي أُسَيْدَ وَكَانَ أَبُوهُ بَدْرِيًّا قَالَ حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ زِيَادٍ السَّاعِدِيُّ الأَنْصَارِيُّ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَهُوَ يُبَايِعُ النَّاسَ عَلَى الْهِجْرَةِ فَقَالَ هَذَا حَوْطُ بْنُ يَزِيدَ أَوْ يَزِيدُ بْنُ حَوْطٍ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَهَذَا عِنْدَنَا‏,‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِشَيْءٍ مِمَّا قَدْ تَقَدَّمَتْ رِوَايَتُنَا لَهُ فِي هَذَا الْبَابِ لأَنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ وَكَانَ وَقْتَ مُهَاجَرٍ وَلَيْسَ مَا بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ كَذَلِكَ‏.‏

وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا فِي الْهِجْرَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ‏.‏

مَا قَدْ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد وَابْنُ أَبِي مَرْيَمَ جَمِيعًا قَالاَ ثنا أَبُو عِيسَى فُدَيْكُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ صَالِحِ بْنِ بَشِيرِ بْنِ فُدَيْكٍ قَالَ خَرَجَ فُدَيْكٌ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ إنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ هَلَكَ‏,‏ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَا فُدَيْكُ أَقِمْ الصَّلاَةَ وَآتِ الزَّكَاةَ وَاهْجُرْ السُّوءَ وَاسْكُنْ مِنْ أَرْضِ قَوْمِكَ حَيْثُ شِئْت تَكُنْ مُهَاجِرًا‏.‏

فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ تِبْيَانُ الْهِجْرَةِ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا مَنْ يَدْخُلُ فِيهَا بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ وَأَنَّهَا بِهَجْرِ السُّوءِ وَأَنَّهَا لاَ تَمْنَعُ مِنْ السُّكْنَى بِغَيْرِ الْمَدِينَةِ وَأَنَّهَا خِلاَفُ الْهِجْرَةِ الَّتِي تَمْنَعُ مِنْ السُّكْنَى فِي الدَّارِ الَّتِي كَانَ الْمُهَاجِرُ مِنْهَا وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذَا بَيَانٌ لِمَا وَصَفْنَا وَقَدْ وَجَدْنَا مَا هُوَ أَدَلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذَا وَهُوَ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فِي كِتَابِهِ ‏{‏وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَاَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رضي الله عنهم رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ‏}‏ فَأَخْبَرَ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ السَّابِقِينَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ فِي هَذِهِ الآيَةِ هُمْ الْمُهَاجِرُونَ وَكَانَ مَعْقُولاً أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ مَنْ هَاجَرَ إلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الدَّارِ الَّتِي كَانَ فِيهَا مِنْ دُورِ الْكُفْرِ مِنْ مَكَّةَ وَمِمَّنْ سِوَاهَا إلَى دَارِ الْهِجْرَةِ وَهِيَ الْمَدِينَةُ وَكَانَ مَعْقُولاً أَنَّ الأَنْصَارَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ فِيهَا هُمْ الَّذِينَ قَدِمَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ مِنْهُمْ فِي أَمْرِهِ مَا كَانَ مِنْهُمْ فِيهِ مِنْ الإِيمَانِ بِهِ وَالتَّصْدِيقِ لَهُ وَالْبَذْلَةِ مِنْهُمْ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ لَهُ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِمْ أَعْظَمَ الدُّورِ الَّتِي كَانَ فِيهَا الْكُفَّارُ بِهِ وَالرَّاغِبُونَ عَنْهُ وَالْمُقَاتِلُونَ لَهُ وَكَانَ مَعْقُولاً أَنَّ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ هُمْ الَّذِينَ دَخَلُوا فِي الإِسْلاَمِ بَعْدَ ذَلِكَ وَبَعْدَ أَنْ صَارَتْ مَكَّةُ دَارَ إسْلاَمٍ‏.‏

وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ مَا قَدْ رَوَيْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِمُجَاشِعٍ لَمَّا أَتَاهُ بِأَخِيهِ بَعْدَ الْفَتْحِ لِيُبَايِعَهُ عَلَى الْهِجْرَةِ فَقَالَ‏:‏ لاَ بَلْ يُبَايِعُ عَلَى الإِسْلاَمِ فَإِنَّهُ لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَيَكُونُ مِنْ التَّابِعِينَ بِإِحْسَانٍ وَاَللَّهَ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إذَا أَرَادَ بِامْرِئٍ خَيْرًا عَسَلَهُ

حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ كَثِيرِ بْنِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ خَيْرًا عَسَلَهُ قَالُوا‏:‏ وَكَيْفَ يَعْسِلُهُ‏؟‏ قَالَ يَهْدِيهِ إلَى عَمَلٍ صَالِحٍ حَتَّى يَقْبِضَهُ عَلَيْهِ‏.‏

وَحَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إذَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَلَهُ وَهَلْ تَدْرُونَ مَا عَسَلُهُ‏؟‏ قَالُوا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ‏,‏ قَالَ يَفْتَحُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ عَمَلاً صَالِحًا بَيْنَ يَدَيْ مَوْتِهِ حَتَّى يَرْضَى عَنْهُ جِيرَانُهُ أَوْ مَنْ حَوْلَهُ‏.‏

قَالَ فَطَلَبْنَا مَعْنَى قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا هُوَ فَوَجَدْنَا الْعَرَبَ تَقُولُ هَذَا رُمْحٌ فِيهِ عَسَلٌ يُرِيدُونَ فِيهِ اضْطِرَابٌ فَشَبَّهُ سُرْعَتَهُ الَّتِي هِيَ اضْطِرَابُهُ بِاضْطِرَابِ مَا سِوَاهُ مِنْ الرُّمْحِ وَمِنْ غَيْرِهِ فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم إذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَلَهُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِمَيْلِهِ إيَّاهُ إلَى مَا يُحِبُّ مِنْ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا لِإِدْخَالِهِ إيَّاهُ جَنَّتَهُ، وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي تَمْتِيعِ النِّسَاءِ الْمُطَلَّقَاتِ

حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُكَيْر قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ الْحَمِيدِ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ حَفْصٍ عَنْ طَلاَقِ جَدِّهِ أَبِي عَمْرٍو فَاطِمَةَ ابْنَةَ قَيْسٍ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْيَمَنِ فَوَكَّلَ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ فَأَرْسَلَ إلَيْهَا عَيَّاشٌ بِبَعْضِ النَّفَقَةِ فَسَخِطَتْهَا فَقَالَ لَهَا عَيَّاشٌ مَا لَك عَلَيْنَا مِنْ نَفَقَةٍ وَلاَ سُكْنَى وَهَذَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْأَلِيهِ فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ مَا قَالَ فَقَالَ لَيْسَ لَك نَفَقَةٌ وَلاَ سُكْنَى وَلَكِنْ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ اُخْرُجِي عَنْهُمْ‏,‏ فَقَالَتْ‏:‏ أَأَخْرُجُ إلَى بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ‏؟‏ فَقَالَ لَهَا‏:‏ إنَّ بَيْتَهَا يُوطَأُ انْتَقِلِي إلَى بَيْتِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ الأَعْمَى فَهُوَ أَقَلُّ‏.‏

وَحَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الأَسْوَدِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ فَاطِمَةَ ابْنَةِ قَيْسٍ نَفْسِهَا بِمِثْلِ حَدِيثِ اللَّيْثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ حَرْفًا بِحَرْفٍ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا أُضِيفَ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ لَك عَلَيْهِمْ نَفَقَةٌ وَلاَ سُكْنَى وَلَكِنْ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى الإِيجَابِ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ عَلَى النَّدْبِ وَالْحَصْرِ لاَ عَلَى الإِيجَابِ‏.‏

فَتَأَمَّلْنَا ذَلِكَ فَوَجَدْنَا اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، قَدْ ذَكَرَ تَمَتُّعَ الْمُطَلَّقَاتِ فِي ثَلاَثَةِ مَوَاضِعَ فِي كِتَابِهِ‏,‏ وَهِيَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ‏}‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ‏}‏ وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ‏}‏ الآيَةَ فَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَمِثْلِ قَوْلِهِ، عَزَّ وَجَلَّ، ‏{‏كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ‏}‏ فَكَانَ ذَلِكَ عَلَى النَّدْبِ وَالْحَضِّ لاَ عَلَى الإِيجَابِ فَيَكُونُ مِثْلَ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي مُتَعِ الْمُطَلَّقَاتِ ‏{‏حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ‏}‏ ‏{‏وَحَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ‏}‏ يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى التَّرْغِيبِ فِي ذَلِكَ وَالْحَضِّ عَلَيْهِ فَيَكُونُ فِي الْمُطَلَّقَاتِ جَمِيعًا مَدْخُولاً بِهِنَّ كُنَّ أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهِنَّ‏.‏

كَمَا قَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه‏.‏

مِمَّا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ أَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَمُوسَى بْنُ أَيُّوبَ الْغَافِقِيُّ عَنْ عَمِّهِ إيَاسِ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه يَقُولُ ذَلِكَ يَعْنِي لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى النَّدْبِ وَالْحَضِّ‏,‏ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى الإِيجَابِ لِبَعْضِهِنَّ دُونَ بَعْضٍ كَمَا قَدْ رُوِيَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ‏.‏

مِمَّا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ‏:‏ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ إِلاَّ الَّتِي تَطْلُقُ وَقَدْ فُرِضَ لَهَا صَدَاقٌ فَحَسْبُهَا نِصْفُ مَا فُرِضَ لَهَا‏.‏

وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فَذَكَرَ مِثْلَهُ فَكَانَ فِي هَذَا مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ إخْرَاجُ الْمُطَلَّقَاتِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهِنَّ مِنْ الْمُتَعِ اللَّاتِي ذَكَرْنَا ثُمَّ الْتَمَسْنَا حُكْمَ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ‏.‏

فَوَجَدْنَا الْوَاجِبَ إبْدَالاً مِنْ الإِبْضَاعِ يَجِبُ بِوُقُوعِ التَّزْوِيجَاتِ وَانْعِقَادِهَا لاَ بِمَا سِوَى ذَلِكَ وَلَمَّا كَانَتْ الْمُتَعُ لاَ تُوجِبُهَا التَّزْوِيجَاتُ اللَّاتِي لاَ طَلاَقَ مَعَهَا كَانَ بِأَنْ لاَ يُوجِبَهَا الطَّلاَقُ الَّذِي يَكُونُ بَعْدَهَا أَحْرَى‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَقَدْ رَأَيْنَا الطَّلاَقَ يُوجِبُ النَّفَقَةَ وَالسُّكْنَى فِي الْعِدَّةِ وَلَمْ يَكُونَا وَاجِبَيْنِ قَبْلَ ذَلِكَ‏.‏

فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ، بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ، أَنَّ الأَمْرَ لَيْسَ كَمَا ذَكَرَ وَلَكِنَّهُ مَا قَدْ كَانَا وَاجِبَيْنِ بِالتَّزْوِيجِ وُجُوبًا لَمْ يَرْفَعْهُ الطَّلاَقُ الْوَاقِعُ فِيهِ فَهَذِهِ حُجَّةٌ فِي وُجُوبِ التَّمَتُّعِ لِلْمُطَلَّقَاتِ بَعْدَ الدُّخُولِ فَأَمَّا الْمُطَلَّقَاتُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِنَّ هَلْ لَهُنَّ مُتَعٌ يُحْكَمُ بِهَا عَلَى مُطَلِّقِيهِمْ الَّذِينَ لَمْ يَكُونُوا فَرَضُوا لَهُنَّ صَدَاقًا أَمْ لاَ‏؟‏ فَقَالَ قَائِلُونَ لَهُنَّ عَلَيْهِمْ الْمُتَعُ وَإِنْ كَانُوا قَدْ اخْتَلَفُوا فِي مَقَادِيرِ الْمُتَعِ‏,‏ فَقَالَ قَائِلُونَ مِنْهُمْ هِيَ الْمِقْدَارُ الَّذِي يُجْزِئُ فِي الصَّلاَةِ مِنْ اللِّبَاسِ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ كَثِيرٌ مِنْ الْكُوفِيِّينَ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْقَائِلُونَ بِقَوْلِهِمَا وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ مِقْدَارُ الْمُتْعَةِ فِي هَذَا هُوَ نِصْفُ صَدَاقِ مِثْلِهَا مِنْ نِسَائِهَا اللَّاتِي يُرْجَعُ فِي مِثْلِ صَدَاقِهَا إلَى أَمْثَالِ صَدَقَاتِ أَمْثَالِهِنَّ‏.‏

وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَهَذَا هُوَ الأَوْلَى مِمَّا قَالُوهُ فِي ذَلِكَ عَلَى أُصُولِهِمْ الَّتِي بَنَوْا هَذَا الْمَعْنَى عَلَيْهَا‏.‏

وَقَالَ قَائِلُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ سِوَاهُمْ إنَّ الْمُتَعَ فِي هَذَا مَحْضُوضٌ عَلَيْهَا مَأْمُورٌ بِهَا غَيْرُ مُجْبَرٍ عَلَيْهَا وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَخَالَفَ الآخَرِينَ الَّذِينَ ذَكَرْنَاهُمْ فِي ذَلِكَ لأَنَّ أُولَئِكَ يُوجِبُونَهَا وَيُجْبِرُونَ عَلَيْهَا وَيَحْبِسُونَ فِيهَا وَكَانَ الأَوْلَى مِمَّا قَدْ قِيلَ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا‏,‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الإِيجَابَ لَهَا وَالْحَبْسَ فِيهَا لأَنَّ التَّزْوِيجَ وَقَعَ بِلاَ تَسْمِيَةِ صَدَاقٍ أَوْجَبَ لَهَا صَدَاقَ مِثْلِهَا عَلَى زَوْجِهَا كَمَا أَوْجَبَ مِلْكَ بُضْعِهَا لِزَوْجِهَا فَلَمَّا وَقَعَ الطَّلاَقُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَسْقَطَ عَنْ الزَّوْجِ نِصْفَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ قَبْلَ الطَّلاَقِ مِمَّا قَدْ كَانَ مَحْبُوسًا فِي جَمِيعِهِ لَوْ لَمْ يُطَلِّقْ فَإِذَا طَلَّقَ فَسَقَطَ عَنْهُ بِالطَّلاَقِ نِصْفُهُ بَقِيَ النِّصْفُ الْبَاقِي عَلَيْهِ كَمَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ فُرُوضِهِ إيَّاهُ وَأَخْذِهِ بِهِ وَحَبْسِهِ فِيهِ كَمَا إذَا سَمَّى لَهَا صَدَاقًا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ دُخُولِهِ بِهَا فَزَالَ عَنْهُ نِصْفُهُ يَكُونُ النِّصْفُ الْبَاقِي لَهَا عَلَيْهِ عَلَى حُكْمِ كُلِّهِ الَّذِي كَانَ لَهَا عَلَيْهِ قَبْلَ الطَّلاَقِ مِنْ لُزُومِهِ إيَّاهُ لَهَا وَمِنْ حَبْسِهِ لَهَا فِيهِ وَقَدْ رُوِيَتْ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ آثَارٌ فِي الْمُتَعِ بِالطَّلاَقِ نَحْنُ ذَاكِرُوهَا فِي هَذَا الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

فَمِنْهَا مَا قَدْ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي الْحَكَمُ أَنَّ رَجُلاً خَاصَمَ إلَى شُرَيْحٍ فِي مُتْعَةِ امْرَأَتِهِ فَقَالَ شُرَيْحٌ وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ فَإِنْ كُنْت مِنْ الْمُتَّقِينَ فَعَلَيْك مُتْعَةٌ وَلَمْ يَقْضِ بِهِ‏.‏

وَمِنْهَا مَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا وَهْبٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ‏.‏

وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ‏:‏ أَنْبَأَنَا يُونُسُ‏,‏ عَنْ الْحَسَنِ‏,‏ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ‏.‏

وَمِنْهَا مَا قَدْ حَدَّثَنَا يُوسُفُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ‏,‏ قَالَ أَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مَتَاعٌ إِلاَّ الَّتِي طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا وَقَدْ فَرَضَ لَهَا فَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ‏.‏

وَمِنْهَا مَا قَدْ ثنا يُوسُفُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ أَنَا مُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ مِثْلَهُ‏.‏

وَمِنْهَا مَا قَدْ ثنا يُوسُفُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ أَنَا جُوَيْبِرٌ عَنْ الضَّحَّاكِ أَنَّهُ قَالَ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مَتَاعٌ حَتَّى الْمُخْتَلِعَةُ‏.‏

وَفِي مَا قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا الْبَابِ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى الصَّحِيحِ مِمَّا قَدْ قَالُوهُ فِي ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُمْ‏,‏ وَاَللَّهَ، سُبْحَانَهُ، نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏